فصل: وصية الرسول معاذا حين بعثه إلى اليمن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 وصية الرسول معاذا حين بعثه إلى اليمن

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين بعث معاذاً أوصاه ، وعهد إليه ، ثم قال له ‏:‏

يسر ولا تعسر ، وبشر ولا تنفر ، وإنك ستقدم على قوم من أهل الكتاب ، يسألونك ما مفتاح الجنة ‏؟‏ فقل ‏:‏ شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، فخرج معاذ ، حتى إذا قدم اليمن قام بما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتته امرأة من أهل اليمن ، فقالت ‏:‏ يا صاحب رسول الله ، ما حق زوج المرأة عليها ‏؟‏ قال ‏:‏ ويحك ‏!‏ إن المرأة لا تقدر على أن تؤدي حق زوجها ، فأجهدي نفسك في أداء حقه ما استطعت ، قال ‏:‏ والله لئن كنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لتعلم ما حق الزوج على المرأة ‏.‏ قال ‏:‏ ويحك ‏!‏ لو رجعت إليه فوجدته تنثعب منخراه قيحاً ودماً فمصصت ذلك حتى تذهبيه ما أديت حقه ‏.‏

 إسلام فروة بن عمرو الجذامي

 إسلامه

قال ابن إسحاق ‏:‏ وبعث فروة بن عمرو النافرة الجذامي ، ثم النفاثي ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا بإسلامه ، وأهدى له بغلة بيضاء ، وكان فروة عاملاً للروم على من يليهم من العرب ، وكان منزله معان وما حولها من أرض الشام ‏.‏

 حبس الروم له وشعره ومقتله

فلما بلغ الروم ذلك من إسلامه ، طلبوه حتى أخذوه ، فحبسوه عندهم ، فقال في محبسه ذلك ‏:‏

طرقت سليمى موهنا أصحابي * والروم بين الباب والقروان

صد الخيال وساءه ما قد رأى * وهممت أن أغفى وقد أبكاني

لا تكحلن العين بعدي إثمدا * سلمى ولا تدين للإتيان

ولقد علمت أبا كبيشة أنني * وسط الأعزة لا يحص لساني

فلئن هلكت لتفقدن أخاكم * ولئن بقيت لتعرفن مكاني

ولقد جمعت أجل ما جمع الفتى * من جودة وشجاعة وبيان

فلما أجمعت الروم لصلبه على ماء لهم ، يقال له عفراء بفلسطين ، قال‏:‏

ألا هل أتى سلمى بأن حليلها * على ماء عفراء فوق إحدى الرواحل

على ناقة لم يضرب الفحل أمها * مشذبة أطرافها بالمناجل

فزعم الزهري بن شهاب أنهم لما قدموه ليقتلوه ، قال ‏:‏

بلغ سراة المسلمين بأنني * سلم لربي أعظمي ومقامي

ثم ضربوا عنقه ، وصلبوه ، على ذلك الماء ، يرحمه الله تعالى ‏.‏

إسلام بني الحارث بن كعب على يدي خالد بن الوليد لما سار إليهم

 دعوة خالد الناس إلى الإسلام وإسلامهم

قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ، في شهر ربيع الآخر أو جمادى الأولى ، سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران ، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام ، قبل أن يقاتلهم ثلاثاً ، فإن استجابوا ، فاقبل منهم وإن لم يفعلوا فقاتلهم ‏.‏

فخرج خالد حتى قدم عليهم ، فبعث الركبان يضربون في كل وجه ، ويدعون إلى الإسلام ، ويقولون ‏:‏ أيها الناس ، أسلموا تسلموا ‏.‏

فأسلم الناس ، ودخلوا فيما دعوا إليه ، فأقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وبذلك كان أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هم أسلموا ولم يقاتلوا ‏.‏

 كتاب خالد إلى الرسول يسأله أمره

ثم كتب خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏

بسم الله الرحمن الرحيم ‏:‏ لمحمد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من خالد بن الوليد ، السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله هو ‏.‏

أما بعد ‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليك ، فإنك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب ، وأمرتني إذا أتيتهم ألا أقاتلهم ثلاثة أيام ، وأن أدعوهم إلى الإسلام ، فإن أسلموا ، أقمت فيهم ، وقبلت منهم ، وعلمتهم معالم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه ، وإن لم يسلموا قاتلتهم ، وإني قدمت عليهم فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام ، كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعثت فيهم ركباناً قالوا ‏:‏

يا بني الحارث ، أسلموا تسلموا ، فأسلموا ولم يقاتلوا ، وأنا مقيم بين أظهرهم ، آمرهم بما أمرهم الله به ، وأنهاهم عما نهاهم الله عنه ، وأعلمهم معالم الإسلام ، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى يكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ‏.‏

 رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خالد ‏:‏

فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏

بسم الله الرحمن الرحيم ‏:‏ من محمد النبي رسول الله إلى خالد بن الوليد ، سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ‏.‏

أما بعد فإن كتابك جاءني مع رسولك تخبر أن بني الحارث بن كعب قد أسلموا قبل أن تقاتلهم ، وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام ، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبدالله ورسوله ، وأن قد هداهم الله بهداه ، فبشرهم وأنذرهم ، وليقبل معك وفدهم ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ‏.‏

 قدوم خالد مع وفدهم على الرسول

فأقبل خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل معه بني الحارث بن كعب ، منهم قيس بن الحصين ذي الغصة ، ويزيد بن عبدالمدان ، ويزيد بن المحجل ، وعبدالله بن قراد الزيادي ، وشداد بن عبدالله القناني ، وعمرو بن عبدالله الضبابي ‏.‏

 حديث الرسول صلى الله عليه وسلم معهم

فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآهم ، قال ‏:‏ من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند ‏؟‏ قيل ‏:‏ يا رسول الله ، هؤلاء رجال بني الحارث بن كعب ، فلما وقفوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلموا عليه ، وقالوا ‏:‏

نشهد أنك رسول الله وأنه لا إله إلا الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ وأنا اشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ‏.‏

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أنتم الذين إذا زجروا استقدموا ، فسكتوا ، فلم يراجعه منهم أحد ، ثم أعادها الثانية ، فلم يراجعه منهم أحد ، ثم أعادها الثالثة ، فلم يراجعه منهم أحد ، ثم أعادها الرابعة ، فقال يزيد بن عبدالمدان ‏:‏ نعم ، يا رسول الله ، نحن الذين إذا زجروا استقدموا ، قالها أربع مرار ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏

لو أن خالداً لم يكتب إلي أنكم أسلمتم ولم تقاتلوا ، لألقيت رءوسكم تحت أقدامكم ، فقال يزيد بن عبدالمدان ‏:‏ أما والله ما حمدناك ولا حمدنا خالداً ؛ قال ‏:‏ فمن حمدتم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ حمدنا الله عز وجل الذي هدانا بك يا رسول الله ، قال ‏:‏ صدقتم ‏.‏

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية ، قالوا ‏:‏ لم نكن نغلب أحداً ، قال ‏:‏ بلى ، قد كنتم تغلبون من قاتلكم ، قالوا ‏:‏ كنا نغلب من قاتلنا يا رسول الله إنا كنا نجتمع ولا نفترق ، ولا نبدأ أحدا بظلم ، قال ‏:‏ صدقتم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني الحارث بن كعب قيس بن الحصين ‏.‏

فرجع وفد بني الحارث إلى قومهم في بقية من شوال، أو في صدر ذي القعدة ، فلم يمكثوا بعد أن رجعوا إلى قومهم إلا أربعة أشهر ، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورحم وبارك ، ورضي وأنعم ‏.‏

 الرسول يبعث عمرو بن حزم بعهده إليهم

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث إليهم بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حزم ، ليفقههم في الدين ، ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام ، ويأخذ منهم صدقاتهم ، وكتب له كتاباً عهد إليه فيه عهده ، وأمره فيه بأمره ‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم ‏:‏ هذا بيان من الله ورسوله ،يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ، عهد من محمد النبي رسول الله لعمرو بن حزم ، حين بعثه إلى اليمن ، أمره بتقوى الله في أمره كله ، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ، وأمره أن يأخذ بالحق كما أمره الله ، وأن يبشر الناس بالخير ، ويأمرهم به ، ويعلم الناس القرآن ، ويفقههم فيه ، وينهى الناس ‏.‏

فلا يمس القرآن إنسان إلا وهو طاهر ، ويخبر الناس بالذي لهم ، والذي عليهم ، ويلين للناس في الحق ، ويشتد عليهم في الظلم ، فإن الله كره الظلم ، ونهى الناس عنه ، فقال ‏:‏ ‏(‏ ألا لعنة الله على الظالمين ‏)‏ ويبشر الناس بالجنة وبعملها ، وينذر الناس النار وعملها ، ويستأنف الناس حتى يفقهوا في الدين ، ويعلم الناس معالم الحج وسنته وفريضته ، وما أمر الله به ، والحج الأكبر ‏:‏ الحج الأكبر ، والحج الأصغر‏:‏ هو العمرة ‏.‏

وينهى الناس أن يصلي أحد في ثوب واحد صغير ، إلا أن يكون ثوبا يثنى طرفيه على عاتقيه ، وينهى الناس أن يحتبي أحد في ثوب واحد ، يفضي بفرجه إلى السماء ، وينهى أن يعقص أحد شعر رأسه في قفاه ، وينهى إذا كان بين الناس هيج عن الدعاء إلى القبائل والعشائر ، وليكن دعواهم إلى الله عز وجل وحده لا شريك له ، فمن لم يدع إلى الله ، ودعا إلى القبائل والعشائر فليقطفوا بالسيف ، حتى تكون دعواهم إلى الله وحده لا شريك له ‏.‏

ويأمر الناس بإسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم إلى المرافق وأرجلهم إلى الكعبين ، ويمسحون برؤوسهم كما أمرهم الله ‏.‏

وأمر بالصلاة لوقتها ، وإتمام الركوع والسجود والخشوع ، ويغلس بالصبح ، ويهجر بالهاجرة حين تميل الشمس ، وصلاة العصر والشمس في الأرض مدبرة ، والمغرب حين يقبل الليل ، لا يؤخر حتى تبدو النجوم في السماء ، والعشاء أول الليل ‏.‏

وأمر بالسعي إلى الجمعة إذا نودي لها ، والغسل عند الرواح إليها ‏.‏

وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله ، وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء ، وعلى ما سقى الغرب نصف العشر ، وفي كل عشر من الإبل شاتان ، وفي كل عشرين أربع شياه ، وفي كل أربعين من البقر بقرة ، وفي كل ثلاثين من البقر تبيع ، جذع أو جذعة ، وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها ، شاة ، فإنها فريضة الله التي افترض على المؤمنين في الصدقة ، فمن زاد خيراً فهو خير له ‏.‏

وأنه من أسلم من يهودي أو نصراني إسلاماً خالصاً من نفسه ، ودان بدين الإسلام ، فإنه من المؤمنين ، له مثل ما لهم ، وعليه مثل ما عليهم ، ومن كان على نصرانيته أو يهوديته فإنه لا يرد عنها ، وعلى كل حالم ‏:‏ ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، دينار واف أو عوضه ثياباً ، فمن أدى ذلك فإن له ذمة الله وذمة رسوله ، ومن منع ذلك فإنه عدو لله ولرسوله وللمؤمنين جميعا ، صلوات الله على محمد ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته ‏.‏

 قدوم رفاعة بن زيد الجذامي

 إسلامه وحمله كتاب الرسول إلى قومه ‏:‏

وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية ، قبل خيبر ، رفاعة بن زيد الجذامي ، ثم الضبيبي ، فأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً ، وأسلم فحسن إسلامه ، وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً إلى قومه وفي كتابه ‏:‏

 كتاب الرسول إلى قوم رفاعة بن زيد ‏:‏

بسم الله الرحمن الرحيم ‏:‏ هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد ‏.‏

إني بعثته إلى قومه عامة ، ومن دخل فيهم ، يدعوهم إلى الله وإلى رسوله ، فمن أقبل منهم ففي حزب الله وحزب رسوله ، ومن أدبر فله أمان شهرين ‏.‏

فلما قدم رفاعة على قومه أجابوا وأسلموا ، ثم ساروا إلى الحرة ‏:‏ حرة الرجلاء ، ونزلوها ‏.‏

 قدوم وفد همدان

 من رجال الوفد ‏:‏

قال ابن هشام ‏:‏ وقدم وفد همدان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حدثني من أثق به ، عن عمرو بن عبدالله بن أذينة العبدي ، عن أبي إسحاق السبيعي ، قال ‏:‏

قدم وفد همدان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منهم مالك بن نمط ، وأبو ثور ، وهو ذو المشعار ، ومالك بن أيفع ، وضمام بن مالك السلماني ، وعميرة بن مالك الخارفي ، فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك ، وعليهم مقطعات الحبرات ، والعمائم العدنية ، برحال الميس على المهرية والأرحبية ، ومالك بن نمط ورجل أخر يرتجزان بالقوم ، يقول أحدهما ‏:‏

همدان خير سوقة وأقيال * ليس لها في العالمين أمثال

محلها الهضب ومنها الأبطال * لها إطابات بها وآكال

ويقول الآخر ‏:‏

إليك جاوزن سواد الريف * في هبوات الصيف والخريف

مخطمات بحبال الليف *

 خطبة مالك بن نمط بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم

فقام مالك بن نمط بين يديه ، فقال ‏:‏ يا رسول الله نصية من همدان ، من كل حاضر وباد ، أتوك على قلص نواج متصلى بحبائل الإسلام ، لا تأخذهم في الله لومة لائم ، من مخلاف خارف ويام وشاكر أهل السود والقود ، أجابوا دعوة الرسول ، وفارقوا الآلهات والأنصاب ، عهدهم لا ينقض ما أقامت لعلع ، وماجرى اليعفور بصلع ‏.‏

فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا فيه ‏:‏

 كتابه صلى الله عليه وسلم لهم

بسم الله الرحمن الرحيم ‏:‏ هذا كتاب من رسول الله محمد ، لمخلاف خارف ، وأهل جناب الهضب ، وحقاف الرمل ، مع وافدها ذي المشعار مالك بن نمط ، ومن أسلم من قومه ، على أن لهم فراعها ووهاطها ، ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ، يأكلون علافها ، ويرعون عافيها ، لهم بذلك عهد الله وذمام رسوله ، وشاهدهم المهاجرون والأنصار ، فقال في ذلك مالك بن نمط ‏:‏

ذكرت رسول الله في فحمة الدجى * ونحن بأعلى رحرحان وصلدد

وهن بنا خوص طلائح تغتلي * بركبانها في لاحب متمدد

على كل فتلاء الذراعين جسرة * تمر بنا مر الهجيف الحفيدد

حلفت برب الراقصات إلى منى * صوادر بالركبان من هضب قردد

بأن رسول الله فينا مصدق * رسول أتى من عند ذي العرش مهتدي

فما حملت من ناقة فوق رحلها * أشد على أعدائه من محمد

وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه * وأمضى بحد المشرفي المهند

 ذكر الكذابين مسيلمة الحنفي والأسود العنسي

قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد كان تكلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذابان ، مسيلمة بن حبيب باليمامة في بني حنيفة ، والأسود بن كعب العنسي بصنعاء ‏.‏

 تحقق رؤياه صلى الله عليه وسلم فيها

قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني يزيد بن عبدالله بن قسيط ، عن عطاء بن يسار ، أو أخيه سليمان بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، قال ‏:‏سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس على منبره ، وهو يقول ‏:‏

أيها الناس إني قد رأيت ليلة القدر ، ثم أنسيتها ، ورأيت في ذراعي سوارين من ذهب ، فكرهتهما فنفختهما فطار ، فأولتهما هذين الكذابين صاحب اليمن ، وصاحب اليمامة ‏.‏

 الرسول يتحدث عن الدجالين

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني من لا أتهم عن أبي هريرة ، أنه قال ‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالاً ، كلهم يدعي النبوة ‏.‏

 خروج الأمراء والعمال على الصدقات

قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث أمراءه وعماله على الصدقات إلى كل ما أوطأ الإسلام من البلدان ، فبعث المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة إلى صنعاء ، فخرج عليه العنسي وهو بها ‏.‏

وبعث زيد بن لبيد ، أخا بني بياضة الأنصاري إلى حضرموت وعلى صدقاتها ،

وبعث عدي بن حاتم على طيئ ، وصدقاتها وعلى بني أسد ‏.‏

وبعث مالك بن نويرة - قال ابن هشام ‏:‏ اليربوعي - على صدقات بني حنظلة ‏.‏

وفرق صدقة بني سعد على رجلين منهم ، فبعث الزبرقان بن بدر على ناحية منها ، وقيس بن عاصم على ناحية ، وكان قد بعث العلاء بن الحضرمي على البحرين ، وبعث علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إلى أهل نجران ، ليجمع صدقتهم ويقدم عليه بجزيتهم ‏.‏

 كتاب مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقد كان مسيلمة بن حبيب قد كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، سلام عليك ؛ أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك ، وإن لنا نصف الأرض ، ولقريش نصف الأرض ، ولكن قريشاً قوم يعتدون ‏.‏

فقدم عليه رسولان له بهذا الكتاب ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني شيخ من أشجع ، عن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي ، عن أبيه نعيم ، قال ‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهما حين قرأ كتابه ‏:‏

فما تقولان أنتما ، قالا ‏:‏ نقول كما قال ‏:‏ فقال ‏:‏ أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما ‏.‏

 جوابه صلى الله عليه وسلم على مسيلمة

ثم كتب إلى مسيلمة ‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم ‏:‏ من محمد رسول الله ، إلى مسيلمة الكذاب ، السلام على من ابتع الهدى ‏.‏ أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ‏.‏

وذلك في أخر سنة عشر ‏.‏

تم بعون الله الجزء الخامس من سيرة ابن هشام ، ويليه إن شاء الله الجزء السادس ، وأوله حجة الوداع أعان الله على إتمامه ‏.‏